في المشهد السياسي بعد الثورة
أفرزت الثورة, بكل أسف, جماعات من المنافقين المرجفين و المندسين الصائدين في الماء العكر.
فمنهم الساسة الانتهازيون المراهقون, الذين ركبوا الموجة سعيا وراء مطامح شخصية قاموا بتغليفها بشعارات خادعة جوفاء , لاستقطاب العدد الأكبر من السذج البسطاء و كذا المنحلين السفهاء أتباع كل ناعق . بيد أن هؤلاء الساسة نسوا أو تناسوا أن شعاراتهم المتهافتة تنتمي إلى ثقافة غريبة لفظها المجتمع بعدما تبين زيفها , و فشلها الذريع على أرض الواقع طيلة عصور تطبيقها, أو بالأحرى, فرضها على الأمة , لا المصرية فحسب بل العربية و الإسلامية على السواء. يشهد على ذلك الأزمات و النكسات التي هزت أركان البلاد و لا زالت آثارها السلبية ضاربة في كل مجالات الحياة, سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية.
و منهم القضاة الذين أدمنوا بيع ضمائرهم ركضا وراء العرض الزائل و الجاه, و الذين أخذتهم العزة بالإثم بدلا من التوبة و الإنابة و التكفير عن ماضيهم الملوث. لقد كانوا من قبل راضين عن المعاصي بل لقد حللوها بلا أدنى حياء, فمن كان في حجر الأفاعي ناشئا غلبت عليه طباع الثعابين ! .
و منهم الإعلاميون المغرضون , من أبواق عهد الجور و الظلام و مخلفاته , و من هواة الدعاية و الظهور لمجرد إثبات الذات و الاستعراض أمام الكاميرات ! . و جميعهم تبنوا المواقف العنترية مرتدين مسوح الثوار والمصلحين ! . و جميعهم تباروا في نقد الإسلاميين وتسفيه أحلامهم !.
و منهم العاطلون ممن يسمون " نشطاء سياسيين (؟!)" و "حقوقيين (؟!)" الذين ملئوا الدنيا صخبا و ضجيجا ما أنزل الله بهما من سلطان , بحثا عن شهرة زائفة رخيصة ليس إلا !.
ثم إن هذه الجماعات المهترئة , لا بل الشراذم الغوغائية , لم تتحد إلا حربا للدين , حتى لقد مدوا أياديهم القذرة إلى أعداء الدين التاريخيين من نصارى و شيوعيين . ألا إنها الردة في ثوبها الجديد .
و الحاصل, شق الصف و بث الفتنة, لا بل الفتن واحدة تلو الأخرى, يعززها, إضافة إلى مساعيهم الدنيئة, ضعف الوازع الديني الناشئ عن عصور الفساد و الاستغراب , و ضعف الوعي السياسي الناشئ عن الأمية بالبلاد , و كذا الفقرو المعاناة بين جموع الناس . أدى كل ذلك إلى سهولة انقياد الكثيرين وراء العبارات الطنانة و المال السياسي .
مع ذلك, فان كل الأسوياء, وهم كثر, يلفظون هؤلاء الرهط المهين. و يدرك هؤلاء ذلك حق الإدراك, لكنهم يكابرون, فيعلنون في قحة لا يحسدون عليها أن الأمر ليس بالأغلبية (؟!) و إنما هو بالتوافق (؟!) . و لم لا, ألا يحقق زعمهم هذا أغراضهم المشبوهة ؟ . ثم إن كل تقي نقي يتساءل ما ضير المسلم إن صار قرآنه دستوره؟
فمال هؤلاء ؟!.
أليس فيهم رجل رشيد ؟.
ألا إنهم يهزلون, بل هم لا يستحون.
ألا إن من أمن العقاب تمادى و أساء الأدب , و لقد تمادوا وزاد غيهم , طبع الله على قلوبهم فاتبعوا أهواءهم.
و إن تحرص على هداهم فان الله لا يهديهم.
فما أشبه اليوم بالبارحة إذ قامت" ثورة الزنج" على يد العبيد و اللوطيين و الهراطقة و شذاذ الآفاق , متوهمين أنهم يستطيعون الإطاحة بالخلافة العباسية العتيدة ! .
بيد أن الصورة بالخارج واضحة لمن رام القدوة و العظة و الاعتبار. فكل فائز في الانتخابات, و بأي نسبة كانت - و تلك لا تتعدى اثنين و خمسين بالمائة في أحسن الأحوال ! -, يشكل الحكومة من رجاله دون أن نسمع أحدا يقول باستحواز الحزب الفائز على السلطة ! أو أن الانتخابات لا تعبر عن إرادة الشعب ! أو أن الانتخابات مزورة ! ... إلى غير ذلك من الترهات الصبيانية المعيبة الشائعة بين ظهرانينا .
ثم إن المهزوم هناك يهنئ الفائز متمنيا له السداد بل و مبديا الاستعداد الكامل للتعامل معه ! .
أما هنا, فإنهم يكيدون للفائز و يمكرون ! و إن مكرهم لتزول منه الجبال .
ألا إنهم ضلوا كثيرا و أضلوا كثيرا, و هم يحملون أوزارهم و أوزار من أضلوهم.رب لا تذر على الأرض منهم د يارا , انك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا . و سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنّذرهم لا يؤمنون.
فهل يتعلم هـــــؤلاء ؟
بل , هل يتوبــــــون ؟
بل , هل يتطـــهرون ؟
هل بالحق يصدعون ؟
لا يبدو ذلك إلا أن تأتيهم القارعة.
ألا قد صدق من قال " إني أرى رؤوسا أينعت و حان قطافها ".
وصدق من قـــــــال "لا يفل الحديد إلا الحديد", هذا إن كانوا حديدا !.
كما صدق من قـــال " إن أنت أكرمت الكريم ملكته و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا"
ألا فلينشد أولو العزم " قوميتي حريتي إيماني ديني الذي أبني به أوطاني
قوميتي عروبتـــــــــــي أبني عليها أمتـــــــــــــــــي
و غايتي حريتي روحــي دمي عقيدتــــــــــــــــــــــي "
فالصبر الجميل, ألا إن الصبر الجميل تحسن عقباه و لا نامت أعين الجبناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق